10 مايو 2025 | 12 ذو القعدة 1446
A+ A- A
خطبة الجمعة بتاريخ 17 من رجب 1446 هـ - الموافق 17 / 1 / 2025م

خطبة الجمعة بتاريخ 17 من رجب 1446 هـ - الموافق 17 / 1 / 2025م

15 يناير 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 17 من رجب 1446 هـ - الموافق   17/ 1 / 2025م

حُقُوقُ الْإِنْسَانِ وَحُرْمَةُ الِاتِّجَارِ بِهَا

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:

أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَهِيَ خَيْرُ وَصِيَّةٍ أَوْصَى اللَّهُ بِهَا الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ؛ ]وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ( [النساء:131].

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ:

لَقَدْ كَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِنْسَانَ أَعْظَمَ تَكْرِيمٍ، وَمَيَّزَهُ بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا؛ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: ]وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ( [الإسراء: 70]، وَهَذَا تَكْرِيمٌ عَامٌّ لِسَائِرِ بَنِي آدَمَ، وَهُنَاكَ تَكْرِيمٌ خَاصٌّ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَt ]، وَبِهَذَا التَّكْرِيمِ الْخَاصِّ هَيَّأَهُمْ جَلَّ جَلَالُهُ لِحَمْلِ الْأَمَانَةِ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا، فَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَقْلِ الْمُسْتَنِيرِ، وَبِمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولٍ يُبَيِّنُ لَهُ سُبُلَ الْهُدَى وَطَرِيقَ النَّجَاةِ، فَيَسْمُو الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ بِهَذَا التَّكْرِيمِ الْخَاصِّ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعَالَمِينَ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

إِنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ أَمَرَ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ، عِنْدَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ؛ فَبِحِفْظِهَا تُضْمَنُ الْحُقُوقُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْإِنْسَانِ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ وَنَفْسِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَفِي سَبِيلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَضَعَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ عُقُوبَاتٍ زَاجِرَةً، وَإِجْرَاءَاتِ وِقَايَةٍ صَارِمَةً؛ بِقَصْدِ حِمَايَةِ حُقُوقِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ وَصِيَانَةِ كَرَامَتِهِمْ عَنْ كُلِّ مَا يُعَكِّرُ صَفْوَهَا، وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ، الَّتِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مِيثَاقٍ شَامِلٍ لِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَحِفْظِ كَرَامَتِهِ؛ إِذْ قَالَ فِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، رَسَّخَ رَسُولُنَا الْكَرِيمُ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ- مَبْدَأَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَشَدَّدَ عَلَى ضَرُورَةِ حِمَايَتِهَا وَرِعَايَتِهَا؛ فَهِيَ مِنَحٌ رَبَّانِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، مَنَحَهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا لِبَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ، لَا تَقْبَلُ النَّقْصَ وَلَا التَّعْطِيلَ؛ بَلْ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، وَتَوَعَّدَ كُلَّ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الِانْتِقَاصِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ولَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَدَى حِرْصِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى صِيَانَةِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَالْحَضِّ عَلَى حِفْظِهَا، وَعَدَمِ الْمِسَاسِ بِهَا، وَالنَّهْيِ عَنِ الْعَبَثِ فِي كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِقَاصُ مِنْهَا، فَمُنْذُ أَنْ بَزَغَ نُورُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَدْعُو إِلَى تَكْرِيمِ الْإِنْسَانِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِهِ، وَجَرَّمَ الِاتِّجَارَ بِالْبَشَرِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْرَارًا؛ فَحَرَّمَ أَنْ يُبَاعَ الْإِنْسَانُ الْحُرُّ أَوْ أَنْ يُشْتَرَى، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى خَصِيمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ دَعَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ إِلَى رِعَايَةِ حَقِّ الْأَجِيرِ وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ الْخَدَمِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ ظُلْمِهِمْ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»، وَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَيْلَةً لِيَقْضِيَ بَعْضَ أَمْرِهِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ فَكَفَوْكَ، فَقَالَ: (لَا، اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ ) ، هَا هُوَ ذُو النُّورَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَضْرِبُ لَنَا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي احْتِرَامِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، فِي إِعْطَائِهِ خَادِمَهُ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ إِرْهَاقِ عَمَلِ النَّهَارِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ نَجَّاهُ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

لَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ عَلَى تَأْكِيدِ رِعَايَةِ حَقِّ الْأَجِيرِ وَحِفْظِ حُقُوقِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَدَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِ ظُلْمِهِ، فَمَا بَالُكُمْ بِالِاتِّجَارِ بِهِ وَامْتِهَانِ كَرَامَتِهِ؟! هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: ضَرُورَةُ الِالْتِزَامِ بِمَبَادِئِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَأَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا الْغَرَّاءِ فِي شَتَّى مَنَاحِي الْحَيَاةِ، وَمِنْهَا الْكَفُّ عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ وَبَخْسِهِمْ حُقُوقَهُمْ؛ فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ، وَالسَّعَادَةَ كُلَّ السَّعَادَةِ فِي الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، مِنْ عُمَّالٍ وَخَدَمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُجَرَاءِ، وَلَا تَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ؛ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ»، فَيَجِبُ عَلَيْنَا -يَا رَعَاكُمُ اللَّهُ- مُحَارَبَةُ ظُلْمِ الْبَشَرِ وَتَضْيِيقُ الْخِنَاقِ عَلَى الْمُتَاجِرِينَ بِهِمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مَغَبَّةِ فِعْلِهِمْ، وَعَدَمُ التَّعَاوُنِ مَعَهُمْ، أَوْ السُّكُوتِ عَنْ جَرَائِمِهِمُ النَّكْرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الَّذِي نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ]وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ    [ [المائدة:2].

عِبَادَ اللهِ:

صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبِ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ؛ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا[ [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الْآلِ وَالصَّحْبِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ:

عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ بِالْمَعْرُوفِ وَالطَّاعَةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُوَحِّدِينَ فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ وَالصَّهَايِنَةِ الْمُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيهِمْ يَوْمًا أَسْوَدَ، كَيَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ وَالْأَحْزَابِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا كَمَا رَبَّونَا صِغَارًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ، وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَلَا مَحْرُومًا مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَّا وَهَبْتَهُ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذَرِّيَّاتِنَا قَرَّةَ أَعَيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت